قال المصنف: [وتكلموا في التوحيد على هذا الأصل، فنفوا عن الله كل صفة؛ تشبيهاً بالصفات الموجودة في الموصوفات التي هي الأجسام].
قالوا: إذا قلنا: إن الله له قدرة -مثلاً- والعبد له قدرة، فقد شبهنا، فلابد أن ننفي القدرة، وإذا قلنا الله له رحمة والعبد له رحمة، فقد شبهنا، وإذا قلنا: الله له علم والعبد له علم، فقد شبهنا؛ ولذلك قالوا: ننفي صفات الله حتى لا نشبه الله سبحانه وتعالى بخلقه، ولهذا حين ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قواعد أهل السنة في نقاشهم ونقدهم؛ قال للمعتزلة: يلزمكم فيما أثبتموه مثل ما يلزمكم فيما نفيتموه، فلو لم تثبتوا إلا أنه موجود؛ فنقول: والمخلوق موجود، فهل تنفون عن الله الوجود، يقولون: نحن نقول وجود الله غير وجود المخلوق، نقول لهم: وكذلك قدرة الله غير قدرة المخلوق، وحكمة الله غير حكمة المخلوق، ونزول الله غير نزول المخلوق، وكل ما ثبت من صفات الله في القرآن والسنة، فهو غير ما هو للمخلوق، ولا إشكال في ذلك، فالله سبحانه وتعالى وصف بعض المخلوقات في القرآن بما وصف به نفسه فقال: ((إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا))[الإنسان:2]... وقد قال سبحانه: ((وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا))[النساء:134] فهذا المخلوق سميع بصير، لكن ذلك على قدر حاله من العجز، أما سمع الله وبصر الله، فكما يليق به سبحانه.
المطر ينزل، والمخلوق ينزل؛ كجبريل عليه السلام، قال الله تعالى: ((نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ))[الشعراء:193]، وذكر في الحديث أن الله ينزل إذا كان الثلث الأخير من الليل، وليس نزول الله كنزول جبريل عليه السلام أو أي مخلوق، فالمخلوق له ما يليق به لأنه مخلوق، وله سبحانه وتعالى ما يليق به، فله الأسماء الحسنى والصفات العلى.
وهكذا ينهدم أصل هؤلاء المعتزلة في التوحيد بكل سهولة، ويعلم أهل السنة وأهل الإيمان -حتى العامة منهم- بطلان أصل المعتزلة الذي سموه توحيداً.
وما قالوه في القرآن قد سبق تفصيل القول فيه في مبحث الكلام، وما قالوه أيضاً في رؤية الله ونفيهم لها قد سبق أن أصلناه وقررناه في مبحث الرؤية.